الجبهة الداخلية الإسرائيلية تحت ضغط الصواريخ الإيرانية الآثار التعبوية والسياسية والإجتماعية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً: الموقف: 

منذ بدء الحرب بين الكيان الموقت في فلسطين المحتلة، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعد أن أعادت إيران ترتيب صفوفها، وملئ الفراغات الناتجة عن المفاجأة التعبوية التي حققها العدو في ضربته الأولى لها، وشروعها ــــ إيران ـــ في دك الجبهة الداخلية الإسرائيلية بمختلف الصواريخ والطائرات المسيرة، بدأت تظهر آثار عمليات القصف على الوضع الداخلي في الكيان المؤقت، رغم ما تمارسه الرقابة العسكرية على الوسائل الإعلامية، الحديثة منها والتقليدية من تشديد وتقييد، الأمر الذي يجعلنا نقول: أن أحد أهم عوامل حسم هذه المعركة يتوقف على تماسك الجبهة الداخلية لكلا طرفي الحرب. من هنا تأتي هذه الورقة لتحلل الآثار الناتجة عن بقاء جبهة العدو الداخلية، تحت ضغط الصواريخ الإيرانية، وما يتركه هذا الضغط من آثار سلبية من الناحية التعبوية والسياسية والإجتماعية على الكيان الموقت. إلّا أننا قبل البدء في تحليل هذا الموقف، لابد أن نشير إلى أن هذه الآثار أيضاً يمكن أن تنطبق على الوضع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مع وجود مجموعة من الفروق والعوامل تلعب لصالح إيران من قبيل: اتساع المساحة، عدد السكان، طبيعة الحالة المجتمعية، شكل نظام الحكم فيها، تعدد وتنوع مواردها الاقتصادية، و...،  تجعل من هذه الآثار أقل وطأة على الداخل الإيراني، منها على الكيان الموقت في فلسطين المحتلة.  

ثانياً: أهمية ودور الجبهة الداخلية:

تظهر أهمية الجبهة الداخلية في الحروب، في كثير من المناحي، كونها تعلب دوراً على أكثر من صعيد، حيث تأتي الغاية من تركها بعيدة عن الصراع، وعن خطر التهديد المباشر لتصب كلها في صالح تمتين وتقوية موقف الدولة، فضلاً عما تقدمه من خدمات للمجهود الحربي. وعليه فإن أهم الأهداف التي يحققها بقاء الجبهة الداخلية بعيدة عن التهديد ما يأتي: 

  1. توفير أجواء مناسبة لإعمال القيادة والسيطرة(C2) على الصعيدين السياسي والعسكري. 
  2. توفير الظروف الموضوعية والذاتية للقيادة السياسية والعسكرية لممارسة التفكير المنظم والهادئ المطلوب لإدارة الأزمة. 
  3. رفع مستوى الأمن والطمأنينة المطلوب للحاضنة الشعبية، لضمان مواكبتها ودعمها، ومنع تحولها إلى نقطة ضعف، يلج منها العدو لتسديد ضرباته، العسكرية والأمنية.
  4. ضمان بقاء سلاسل التوريد والتوليد المحلية، بمختلف صنفوها المعيشية أو العكسرية، عاملة بدون توقف، لما لذلك من أثر إيجابي يصب في صالح المجهود الحربي للدولة. 
  5. ضمان استقرار القاعدة الصناعية المرتبطة بخطوط إنتاج وإدامة المعركة، وإمدادها بمختلف الوسائط القتالية. 

ثالثاً: الآثار التعبوية والسياسية والاجتماعية: 

  1. إرباك منظومة أخذ القرار السياسي: فمنظومة أخذ القرار على المستوى السياسي، بحاجة إلى نوع من ثبات الموقف، وعدم تقلبه بشكل سريع، من أجل أخذ القرارات التي تؤثر في إدارة الإزمة، ومحاولة الخروج منها بأقل الأكلاف، وبأعلى جدوى، ومنع تطور الموقف وتفاقمه، ومجرد بقاء الجبهة الداخلية تحت ضغط الصواريخ، يعني  دخول معطيات، وعناصر كثيرة تؤثر في القرارات، شكلاً ومضموناً. 
  2. إرباك منظومة القيادة والسيطرة السياسية والفنية (C4I): فإعمال القيادة والسيطرة السياسية والفنية على الموقف، لضبط تطوراته، ومنع تفاقمه، وسوقه في الاتجاه الذي يحقق الأهداف، ويخدم المصالح، بحاجة إلى مستوى معين من الاستقرار، والخلو من التهديد، وإلّا فإن هذه المنظومة سوف تتعرض إلى ضغط فعلي ومعنوي، يؤثر على كفاءتها، وحسن تأديتها لدورها. 
  3. الآثار السلبية على الحاضنة الشعبية: فإن كانت المؤسسة العسكرية والأمنية مجبولة على تحمل الضغط، والعمل في ظروف التهديد؛ فإن الحاضنة الشعبية، وإن كان لديها قدرة على تحمل الضغط، إلّا أنها لا تقوى على البقاء تحته إلى مدد طويلة، ومجتمع كالمجتمع الإسرائيلي الذي جاء بحثاً عن السمن والعسل في فلسطين، لن يقوى على البقاء تحت الخطر والتهديد طويل الأجل، مما يشكل بقاء الضغط عليه، رافعة مهمة، ووسيلة ضغط يمكن أن تؤتي أكلها لصالح الجمهورية الإسلامية، على حساب الكيان المؤقت في فلسطين.
  4. إرباك وتعطيل عجلة الإنتاج والتوليد المدنية والعسكرية: فصواريخ الجمهورية الإسلامية موجهة، و(مصفرة) على أهداف كثيرة في الداخل المحتل، والتي منها ومن أهمها، المصانع العسكرية التي تمد المؤسسة العسكرية بمتطلبات إدمة معركتها، من ذخائر، ووسائط قتال. 
  5. تعطيل خطوط الإمداد، وقطع سلاسل التوريد الداخلية والخارجية: فما يُنتج في المصانع، وما يُدخل من خارج فلسطين المحتلة كإسناد وتعزيز للآلة العسكرية الصهيونية، بحاجة إلى حالة من الأمن النسبي لإيصال ما يتم إنتاجه في الداخل، واستيراده من الخارج إلى مستهلكيه في المواقع والجبهات، الأمرــــ بقاء الصواريخ تدك الكيان ــ يحيل هذه العملية إلى عملية صعبية، ويعيق سرعة إنجازها لمهامها. 
  6. استنزاف القدرات الدفاعية: وهذا الأمر بدأنا نسمع عنه بالأمس؛ فما هو في المخازن آيلٌ للتناقص، وصولاً للنضوب، خاصة إذا تم تحقيق قطع سلاسل التوريد والإنتاج الداخلية والخارجية التي تمد الآلة العسكرية بمتطلبات تشغيلها، كنتيجة لبقاء الجبهة الصهيونية الداخلية تحت ضغط الصواريخ الإيرانية. 
  7. تحريك وتفعيل المسارات السياسية الداخلية والخارجية: وهذه نتيجية فعلية لبقاء الصواريخ تنهمر على الداخل المحتل، فعندما تتعطل قدرات القيادة والسيطرة((C2، ويرتبك متخذ القرار بسبب كثرة ما ينهال عليه من تقارير فنية وسياسية وإجتماعية، مرتبطة بالموقف والأزمة، فإنه سيعمد حكماً إلى تشغيل وتحريك المسارات السياسية بحثاً عن مخرج من المأزق الذي وجد نفسه فيه. 
  8. بناء قواعد اشتباك ظرفية: فالمدينة مقابلها مدينة، وهدم منشأة يقابله هدم منشأة، والمدنيين يقابلهم مدنييون، وهكذا، إلى أن يتعارف طرفي الحرب على قواعد اشتباك ظرفية تحكم الموقف الذي يديرانه، فتقل الخسائر، وتنضبط النار، ويقل الدمار. 
  9. إمداد المفاوضين بــ(ذخيرة) تفاوضية: وهذا أهم هدف يمكن أن ينتج عن بقاء الجبهة الداخلية الصهيونية تحت ضغط الصواريخ، فما يُكتب في قاعات المفاوضات ويُقال، ما هو إلّا ترجمة لما تفرضه الجبهات من حقائق وخلاصات، والذي سمع وزير الخارجية الإيراني "عباس عرقجي" بالأمس عندما قال: "لقد قضيت عمري في العمل الدبلوماسي، ولكني قادم من خلفية مقاتل قاتل في الحرب المفروضة ــ الحرب مع العراق 1980 ــ يعرف كيف يقاتل دفاعاً عن بلده ومصالحها"، من سمعه يقول ذلك، مصحوباً ــ الوزيرـ بوجبة القصف التي نزلت على بئير السبع وحيفاً قبل أن يدخل الوزير إلى قاعة المفاوضات، يعي ماذا يعني أن تفاوض عدوك تحت النار. 
  10. رفع منسوب الأكلاف في مقابل الجدوى: فمعادلة الجدوى والأكلاف، هي التي تحكم الصراعات والحروب والنزاعات، فلا يدخل أحدً معركة، أو نزاعاً إلّا وهو يدرك أن جدوى ما هو مقبل عليه، أكثر بكثير مما سيدفعه من أكلاف، لذلك يأخذ قرار الحرب والنزال، وإن كانت المعادلة على غير ذلك، أحجم وتراجع، وكلما بقيت جبهة العدو الداخلية تحت ضغط الصواريخ، فهذا يعني أن كفة الأكلاف بدأت ترجح على حساب الجدوى، عندها سيبحث العدو عن (سلم) ينزله عن (الشجرة) التي تسلقها.

هذه خلاصات عشر يمكن أن يُخلص لها كآثار سياسية وتعبوية واجتماعية، من بقاء الجبهة الصهيونية الدخلية تحت ضغط صواريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023